پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

الضرب ممنوع

الضرب ممنوع

 

الحیاة الزوجیة حیاة مشترکة، والحیاة الزوجیة المشترکة لا تعنی أن یلغی أحد الزوجین الآخر فکلٌّ له شخصیته المستقلة وذوقه، وهما یشترکان فی کثیر من النقاط التی تضفی على حیاتهما الانسجام العام.

وهناک فی الرجل والمرأة على السواء رغبة فی أن یکون هو المتبوع، فالرجل یودّ أن تجری الأمور وفق هواه والمرأة تودّ أن یکون کل شیء على مرامها.

ومن الطبیعی أن تصطدم الأذواق وتختلف، وهنا یبرز دور التفاهم والحوار بعیداً عن الأمر والنهی الذی یؤدی الى نتائج غیر طیبة.

فالتشاور والتجاور وتبادل الرأی طریق مثالی فی الوصول الى ذوق رفیع على أساس التکامل بین ذوقین متفاوتین.

وعلى الرجل الاّ یفهم القیمومة فهماً خاطئاً، ویتصور أن القیمومة امتیاز یجعل منه السید المطاع، یسوغ لنفسه فرض ذوقه ورغبته على کل شؤون البیت یأمر وینهى؛ ولا حق لزوجته سوى الطاعة المطلقة دون قید ولا شرط ولا حتى نقاش.

بل أن بعضهم یتطرّف وینهال على زوجته بالضرب لأنها لم تمتثل له أمراً ما!!

فی حین أن الرجل لا یحق له أن یضرب زوجته، وإذا کانت هذه الظاهرة
سائدة فی عصر الجاهلیة فان نبینا صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم الذی أرسى دعائم العدالة الانسانیة یقول فی هذا الصدد: «أی رجل لطم امرأته لطمة، امر اللّه‏ عز وجل مالک خازن النیران فیلطمه على حر وجهه سبعین لطمة فی نار جهنّم وأی رجل منکم وضع یده على شعر امرأة مسلمة سمر کفه بمسامیر من نار»[148].

عن رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم: «انّه نهى عن ضرب النساء من غیر واجب»[149].

ویقول أیضاً:

«أیما رجل ضرب امرأته فوق ثلاث اقامة اللّه‏ یوم القیامة على رؤوس الخلایق فیفضحه فضیحة ینظر الیه الاولون والاخرون»[150].

ویقول صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم: «انّی أتعجّب ممّن یضرب امرأته وهو بالضرب أولى منها.. لا تضربوا نسائکم بالخشب فإنّ فیه القصاص»[151].

الرجل الذی یضرب زوجته یظلمها، واللّه‏ لا یحب الظالمین، ولیس للظالم من عاقبة طیبة لا فی الدنیا ولا فی الآخرة.

کما انّ الظلم الذی یصبّه الانسان الضعیف یکون أبشع وأن الرجل الذی یضرب زوجته التی هی رفیقة دربه، والانسان الذی یعیش معه تحت سقف واحد یعدّ نذالة وغدر.

فالمرأة التی وضعت یدها فی ید الرجل واتخذته زوجاً لها، فأنها تنتظر منه حمایتها من الخطر.. إنها تحلم أن تضع رأسها على صدره لتشعر بالطمأنینة والسلام.


ولنتصور هذه الأحلام وکیف تتحطم عندما ینهال الرجل على امرأته بالضرب ألیست هذا فجیعة فی نظر من ینشد الحمایة؟!

المرأة أمانة فی رقبة الرجل شاء ذلک أم أبى.. أمانة الهیة فی عنقه.

یقول أمیر المؤمنین علیه‌‏السلام:

«إنّ النساء عند الرجال لا یملکن لانفسهنَّ خیراً ولا نفعاً، وانهنَّ أمانة اللّه‏ عندکم فلا تضارّوهنَّ ولا تعضلوهنَّ»[152].

والرجل الذی یضرب زوجته لا یجرح بدنها فحسب بل یجرح قلبها الرقیق المفعم بالعاطفة.

سوف یبذر فی نفسها عقدة نفسیة قد یصعب علاجها؛ کما أنه یعرّض الوئام الزوجی للخطر.

ومن المخجل جداً للرجل أن یضرب زوجته ویحقرها ثم یطلب منها أن تبادله الحب!!

یقول رسول اللّه‏ صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم:

«أیضرب أحدکم المرأة ثمَّ یظلّ معانقها»[153].

ومن هنا فان للمرأة حقوق وعلیها واجبات، ولا یجوز للرجل فی الشریعة والقانون، ولا یحق له أخلاقیاً اجبارها على عمل هو لیس من واجبها کما ان ضربها من أجل ذلک یعدّ معصیة وإثماً.

فالعمل المنزلی لیس من واجب المرأة، لیس من وظائفها الطبخ والغسیل ونظافة البیت بل وحتى حضانة الاطفال وارضاعهم.


لیس من واجبها الخیاطة والتطریز والحیاکة والى سائر الأمور الأخرى التی عادة ما تقوم بها المرأة تطوعاً.

وإنّ قیامها بهذه الأعمال أمر یستحق التقدیر والشکر، ولا یحق للرجل فی کل الظروف اجبارها على القیام بهذه الأعمال.

الشریعة لا تجیز للرجل ضرب زوجته إلاّ فی موارد محدودة جداً عندما تتعرّض حقوقه کرجل للاهمال والضیاع.

فاللرجل حقوقه الجنسیة على المرأة، وعلى المرأة الاستجابة لرغبات الرجل وتمکینه وتسلیم نفسها.

ویعدّ امتناع المرأة عن ذلک وعدم تمکینها زوجها انتهاکاً لحقوق الرجل.

وفی مثل هذه الحالة ینبغی على الرجل اتباع اسلوب هادى‏ء فی اقناع زوجته بل الأفضل أن یقدّم لها هدیة ویستحوذ بذلک على قلبها.

وقد رسم القرآن الکریم منهجاً أخلاقیاً رائعاً فی تحدید مواقف واعیة فی مثل هذه الحالات:

قال تعالى: « واللاتی تخافون نشوزّهُنَّ فعِظوهنَّ واهجروهنَّ فی المضاجع واضربوهنَّ فإن أطعنکم فلا تبغوا علیهنَّ سبیلاً إنَّ اللّه‏ کان علیّاً کبیراً »[154].

ولذا نلاحظ أولاً اتباع اسلوب الاقناع والموعظة والنصیحة ثم تأتی مرحلة أخرى وهجرتها فی المضاجع ثم یأتی الضرب کمرحلة ثالثة، والضرب له أیضاً شروطه التی لا تخرج عن اطار التأدیب والالتفات الى النقاط التالیة:

ـ الهدف من الضرب الاصلاح والتربیة لا الانتقام.

ـ باستخدام الید أو العصا الرقیقة وقد ورد فی بعض الروایات غصن من شجرة الأراک الذی یستخدم فی السواک.

ـ الضرب الذی لا یترک اثراً على الجلد وإلاّ لزمت الرجل الدیّة.

ـ لا یکون الضرب على الأماکن الحساسة کالأذن والعین والرأس والبطن.

ـ الضرب الذی لا یؤدی بالمرأة الى اتخاذ موقف متشنج یعنی لا یترک الکراهیة فی قلبها.

ـ انه یقصد اصلاحها والعیش معها تحت ظل سقف واحد.

ـ الاّ یکون للمرأة عذر شرعی مثلاً انها لم تمکّن الرجل بسبب العادة الشهریة أو أنها صائمة فی رمضان أو بسبب سوء حالتها الصحیة.

هذا فیما یتعلق بالمسألة الجنسیة.

أما فی مسألة الخروج من المنزل فمن واجب المرأة ومن حق الرجل علیها إلاّ تخرج من المنزل إلاّ بإذنه وخروجها بدون اذن یعدّ معصیة وإثماً.

عن الصادق علیه‌‏السلام عن آبائه علیهم‏السلام عن النبی صلى‌‏الله‌‏علیه‌‏و‏آله‌‏وسلم قال: «ونهى أن تخرج المرأة من بیتها بغیر أذن زوجها، فإن خرجت لعنها کل ملک فی السماء وکل شیء تمر علیه من الجنّ والانس حتى ترجع الى بیتها»[155].

وفی نفس الوقت ینبغی على الرجل الاّ یتشدّد فی استخدام حقه هذا ویضیّق الخناق على زوجته یعنی الاّ یستغل ذلک بشکل تعسّفی.

لأن هذا الحق لم یشرّع له لیجعل منه سیّداً مطاعاً مرهوب الجانب، وانما من أجل مصلحة الأسرة والحیاة الاسریة.

لأن الرجل فی استخدامه المنطقی لهذا الحق یصون المرأة ویحمیها من الانزلاق.


أما التشدّد والتعسّف فانه یؤدّی الى نتائج سلبیة لأنّ حرمان المرأة من الخروج مطلقاً أو غالباً سوف یترک آثاراً نفسیة ربّما تصل بالمرأة الى مرحلة الانفجار جرّاء الکبت المستمر.

غیر أنه فی کل الأحوال یترتب على خروج المرأة بدون أذن الزوج اثم واضافة الى الاثم والمعصیة ان یستخدم الرجل نفس الاسلوب فی المسألة الجنسیة حیث یتدرّج من النصح أولاً ثم هجرتها فی الفراش إذا لم ینفع الاسلوب الأول ثم استخدام الضرب بشروطه المذکورة آنفاً.

مع التأکید على أن خروج المرأة فی بعض الحالات وبدون اذن الزوج لایعد انتهاکاً لحقوق الرجل ولا تتحمل المرأة وزراً والحالات هی کما یلی:

ـ من أجل تعلّم احکام الدین.

ـ سفر الحج إذا وجب علیها (شرط الاستطاعة).

ـ تسدید دیون بذمتها حیث لا یمکن تسدیدها إلاّ بهذه الطریقة.

 

[148] مستدرک الوسائل: 2/550.
[149] المصدر نفسه.
[150] بحار الأنوار: 103/249.
[151] المصدر السابق.
[152] مستدرک الوسائل: 2/551.
[153] وسائل الشیعة: 14/119.
[154] النساء: الآیة 34.
[155] وسائل الشیعة: 14/154.