أهداف الزواج
الزواج حاجة طبیعیة لدى الانسان وله فوائد وآثار هامّة یمکن ایجازها بما یلی:
1 ـ الخلاص من الحیرة والضیاع فالانسان قبل الزواج کما لو کان حمامة بلا عش، وبالزواج یعثر لنفسه على مأوى وعش، یشارکه فیه انسان آخر یشعر بالألفة ویبدد عنه وحشة الحیاة ویقف الى جانبه فی منعطفات الطریق.
2 ـ اشباع الغریزة الجنسیة والتی تعدّ فی طلیعة الغرائز البشریة وفی مقطع معیّن واکثرها الحاحاً، فالحاجة والمیل الجنسی میل طبیعی یتوجب تلبیته والاستجابة الایجابیة بالطریقة المشروعة، فالمرء ینشد المأوى الهادىء من جهة ویبحث عمّن یلبی حاجته فی ارضاء غرائزه من جهة أخرى، ولذا فان عدم الاستجابة لنداء الغریزة سیکون له آثار سلبیة فی الحیاة الاجتماعیة والنفسیة، وهؤلاء الذین یعرضون عن الزواج غالباً ما یکونوا عرضة للامراض النفسیة والبدنیة.
3 ـ استمرار النوع الانسانی وهو من ثمار ونتائج الزواج الذی یسفر عادة عن میلاد الابناء والذی یسهم هو الآخر فی تعزیز العلاقات الاسریة وبث روح جدیدة فی الکیان العائلی ومن هنا یحث القرآن الکریم ویؤکد على مسألة الزواج.
یقول سبحانه فی محکم الکتاب الکریم:
« ومن آیاته أن خلق لکم من أنفسکم ازواجاً لتسکنوا إلیها وجعل بینکم مودّة ورحمة إنّ فی ذلک لآیاتٍ قوم یتفکّرون »[13].
ویقول سیدنا محمد صلىاللهعلیهوآلهوسلم:
ما بنی بناء فی الاسلام أحبُّ إلى اللّه عز وجل من التزویج ویقول: «الزواج سنتی فمن رغب عن سنتی فلیس منی» .. «تزوجوا فإنی اباهی بکم الامم یوم القیامة»[14].
ویقول الامام علی: تزوّجوا فانَّ التزویج سنّة رسول اللّه صلىاللهعلیهوآلهوسلم.
وقال النبی صلىاللهعلیهوآلهوسلم: «ما استفاد امرء مسلم فائدة بعد الاسلام أفضل من زوجة مسلمة تسّرهُ إذا نظر الیها وتطیعه إذا أمرها، وتحفظه إذا غاب عنها فی نفسها وماله»[15].
وما مرّ فی الحقیقة یعدّ من آثار الزواج الطبیعیة التی تتمحور فی الجانب الحیوانی لدى الانسان، ومن هنا فلا یمکن أن تعدّ فی أهداف الزواج الکبرى. ذلک أن غائیة الوجود الانسانی لا تنحصر فی نشاطه الحیاتی فی الارض، لأنه لم یخلق لکی یحیا ویعیش ویأکل ویمارس نشاطه بین النوم والیقظة واشباع غرائزه والاستمتاع بالمتع المتعددة ومن ثم تنتهی حیاته ویفنى!!
أن منزلة الانسان أعلى من تحدد بهذا النشاط الحیوانی.. ان هدف الموجود الانسانی هو الرقی والکمال.. هو تربیة النفس وصقلها والسیر فی الصراط الالهی الذی یقوده إلى أعلى درجات الرفعة والتزلّف الى اللّه فی المراتب التی لم تبلغها الملائکة..
الانسان مخلوق للخلود ولقد جاء الى هذا العالم من أجل هدف وغائیة ینطوی علیها الهدف من خلق آدم.. من أجل أن یستمع لکلمات اللّه ووحیه عبر الانبیاء والرسل وبناء مستقبله الاخضر الخالد فی عالم الآخرة؛ ذلک العالم العلوی الرفیع المفعم بالسعادة الابدیة والربیع الدائم.
ومن هنا فإن الهدف الاساس من الزواج یجب أن یُبحث عنه فی اطار الهدف النهائی للخلق..
ان الزواج عبارة عن رحلة العمر الطویلة التی یجب أن یشترک فیها انسانان رجل وأمرأة لکی یکمل أحدهما الآخر، ومن خلال هذا التکامل یستطیع المرء أن یضع قدمه فی الطریق الصحیح الذی یؤدی الى الغایة المنشودة.
وفی اطار هذا الهدف ینبغی أن تتم عملیة الانتخاب الزوجی.
ان اقتران زوجین مؤمنین وتشکیل اسرة تنعم بالدفء والمحبة والسلام، وفی ظلال علاقات عائلیة تنهض على أسسٍ من تبادل الحب والعلاقات العاطفیة هو ما یطمح الیه الاسلام..
فالاسلام انما جاء لانقاذ البشر من الخطیئة والسقوط فی هاویة المفاسد الاخلاقیة والعلاقات الجنسیة المحرّمة ومخاطر الادمان على المخدرات ومن هنا تأتی الاحادیث الشریفة لتحض على مشروع الزواج.
یقول سیدنا محمد صلىاللهعلیهوآلهوسلم: «من تزوّج احرز نصف دینه»[16].
ویقول حفیده الصادق علیهالسلام: «رکعتان یصلّیها المتزوّج أفضل من سبعین رکعة یصلّیها أعزب».
ان وجود شریک حیاة متدیّن ومنسجم روحیاً سیکون له الأثر الاکبر فی سلوک طریق أخلاقی یعود على الانسان بالخیر والصفاء.
فإذا کان الزوجان على قدر من التدیّن ویطمحان الى تربیة نفسیهما وتزکیتهما، فإنهما سوف یخطوان خطوات کبرى فی طریق التکامل والسعادة المطلقة.
وهل یستطیع المجاهد فی سبیل اللّه أن یندفع الى غایته السامیة دون أن یکون وراءه زوجة تلهب وجدانه بالحماس والاصرار؟
وهل بإمکان الرجل ان یخوض معترک الحیاة من أجل کسب لقمة عیش کریم، فیعود الى منزله یحمل من برکات اللّه.. لولا أنه یفعل ذلک لأن هناک من ینتظره بحب وشوق؟ لولا ان هناک من یقدّر جهده وجهاده ویجفف جبینه من حبّات العرق؟ لولا ان هناک من یحرص على سلامته ویرعاه ویدبّر منزله الذی هو فی الحقیقة واحته فی صحراء الحیاة؟
ان الانسان المتدیّن امرأة کان أم رجلا یدعو شریک حیاته الى العمل الصالح والخیر والحق والجمال... أمّا الانسان المنفلت والسیء الخلق فأنه یدفع بشریک حیاته الى هاویة السقوط والانسلاخ عن الحیاة الانسانیة الکریمة.
ومن هنا جاءت تأکیدات الشریعة الاسلامیة على اعتبار الایمان والأخلاق الحسنة معیاراً اساسیاً فی اختیار شریک الحیاة.
یقول سیدنا محمد صلىاللهعلیهوآلهوسلم: قال اللّه عزّ وجل: اذا اردت أن أجمع للمسلم خیر الدّنیا وخیر الآخرة جعلت له قلباً خاشعاً، ولساناً ذاکراً، وجسداً على البلاءِ صابراً، وزوجة مؤمنة تسرّه إذا نظر الیها، وتحفظه إذا غاب عنها فی نفسها وماله».
وقد ورد فی السیرة المبارکة لرسول الانسانیة:
«جاء رجل إلى رسول اللّه صلىاللهعلیهوآلهوسلم فقال: انَّ لی زوجة إذا دخلت تلقیتنی، واذ خرجت شیعتنی، واذا رأتنی مهموماً قالت لی: ما یهمّک ان کنت تهتمُّ لرزقک فقد تکفّل لک به غیرک، وإن کنت تهتمُّ لامر آخرتک فزادک اللّه همّاً، فقال رسول اللّه صلىاللهعلیهوآلهوسلم: إنّ للّه عمالاً وهذه من عمّاله لها نصف أجر الشهید».
ویقول الامام علی علیهالسلام عن زوجته الطاهرة الصدّیقة فاطمة الزهراء: کانت نعم العون فی طاعة اللّه...
کما ورد فی التاریخ المشرق ان رسول اللّه صلىاللهعلیهوآلهوسلم جاء بعد عرس فاطمة ومبارکة الاسرة الجدیدة فسأل علیاً علیهالسلام: کیف وجدت زوجک أهلک؟
فقال الامام علی: نعم العون على طاعة اللّه، ویسأل فاطمة، فقالت: خیر بعل[17].
[13] الروم: الآیة 21.
[14] وسائل الشیعة: 14/3.
[15] المصدر السابق: 14/23.
[16] المصدر السابق: 14/5.
[17] بحار الانوار: 43/117.