پایگاه اطلاع رسانی آیت الله ابراهیم امینی قدس سره

مدخل بقلم المترجم

مدخل بقلم المترجم

 

هبط آدم أبو البشر مع زوجه حوّاء على الأرض وبدأت الحیاة الانسانیة وبدأ انتشار النوع الانسانی، الذی لم یکتب له الاستمرار لولا أن عاش الرجل مع المرأة فی ظلال سقف واحد هو سقف الزوجیة، ذلک ان میولاً قویّة لا تنحصر بالمسألة الجنسیة تدفع الرجل والمرأة وعلى حدّ سواء الى الحیاة معاً.. الرجل بسواعده المفتولة وقدرته على مواجهة تحدّیات الحیاة والمرأة بمخزونها العاطفی الزاخر یجعل من حیاة الاثنین جنباً الى جنب متکاملة وملوّنة..

تلقی المرأة برأسها على صدر زوجها فتشعر بالأمان ویبث الرجل امرأته همومه وهموم الحیاة فیشعر بأنه یلقی عن کاهله صخرة «سیزیف»[1].

وقد أضاء القرآن الکریم هذه الظاهرة فی قوله تعالى: « ومن آیاته ان خلق لکم من انفسکم ازواجاً لتسکنوا الیها وجعل بینکم مودّة ورحمة »..

ولکن ظاهرة الحیاة الزوجیة تحتاج فی کل ادوارها الى عملیة ترشید وعادة ما تکتنف سماء الحیاة الزوجیة غیوم وسحب، ثم ما تلبث شمس الحب ان تشرق وتبدد الضباب الذی قد یتجمع قبل انفجار النزاع العائلی.. مع التأکید على أن النزاع فی الحیاة الزوجیة یجب إلاّ ینظر الیه کظاهرة خطیرة، وأنه بمثابة الصخور الناتئة التی قد ترتطم بها سفینة الزواج ویؤدی بها الى الغرق.


ذلک ان الحب المتبادل بین الزوجین، هو الضمان فی دیمومة الحیاة المشترکة واستمرارها وهذا لا یعنی أیضاً أن الحب قادر على تذویب الاختلافات.. ولیس بوسع رباط الزوجیة المقدّس أن یلغی أو یوحد الامزجة والاذواق المختلفة، فالبیئة المختلفة والتربیة المتفاوتة والرؤیة المختلفة تقود لا محالة الى اصطدام الرجل بالمرأة وحدوث الاصطدام أمر لا مفر منه.. ولکن المهم جدّاً هو شعور الرجل والمرأة بحاجتهما الى الحیاة المشترکة معاً وانهما یفضلان استمرارها، أما تلک المعارک الصغیرة التی تنشب بین فترة وأخرى فهی ملح الحیاة کما یقولون، ولا بد للزوجین بعدها من تقدیم التنازلات ومن ثم اللقاء ولو فی منتصف الطریق.

 

الحیاة .. هواجس وأحلام:

الحیاة لیست قصة تطفح بالألم والعذابات کما تصوّرها الرؤیة التشاؤمیة کما انها لیست حکایة حالمة مفعمة بالسعادة کما قد یتصورها بعض البسطاء.

الحیاة مسیرة طویلة وغائیة ذات أهداف، حیث ینطلق الانسان ذکراً أو أنثى باتجاها، ولذا فمن الضروری الانطلاق عن وعی سابق عمیق لأن الوصول الى شاطیء السلام یلزمه صبر ورؤیة واضحة واصرار على المقاومة.

فالذین یلجون مسرح الحیاة وفی أذهانهم رؤى خیال وأوهام أو أحلام مجنّحة سوف یصطدمون بواقع الحیاة التی تزخر بالآلام والعذاب والمقاومة، وعندها سوف یهزمون فی أول مواجهة وینزوون بعیداً وتکون النتائج الاحباط والفشل، فهؤلاء الحیارى والضائعون من الذین یعیشون هواجس التشاؤم والألم وأولئک الذین یسلکون طرقاً مذلّة من أجل تحقیق بعض المتع الرخیصة التافهة مالئین حیاتهم وحیاة الآخرین عذاباً ومرارة ما هم إلاّ ضحایا لغیاب الرؤیة الواضحة للحیاة والادراک العمیق.

فالحیاة الزوجیة فی الواقع تعنی التحاماً کاملاً فی العاطفة والهموم والمصیر.


فلم یکن القاضی الامریکی معتوهاً وهو یوافق على طلب المرأة بالطلاق مبررة ذلک بأنها وزوجها لم یعودا یضحکان معاً.. ان هذا المبرر الذی ینتزع لأول وهلة ابتسامة البعض یخفی وراءه انهیاراً فی حالة التفاهم الزوجی وظهور حالة التمزق النفسی الذی سیفجّر الأمن العائلی ویقضی على کیان الأسرة.

الزواج واشکالیة الهدف:

یجتاز المرء مرحلة الطفولة المفعمة بالصفاء حیث ینعم الطفل برعایة الابوین ودف‏ء الاسرة، وشیئاً فشیئاً ینمو الفتى والفتاة لیدخلا عهداً جدیداً هو عهد الشباب.. أنهامرحلة حساسة تتطلب النهوض بمسؤولیات الحیاة وأعبائها..

وخلال هذه الفترة وفی مراحلها الأولى یرنو الفتى کما تتطلع الفتاة الى شریک الحیاة ورفیق الدرب.. الى انسان یخفف من العب‏ء.. انسان یفرح معه ویشارکه لوعته ویبثه همومه، انسان یدرکه ویفهمه ویقوم بدور المنقذ اذا ما هاجمته أمواج الحوادث.. ویکون له عوناً فی الشدائد یبدّد وحشته ویشیع فی روحه الأمل فی الحیاة والمستقبل.

ومن هنا یتوجب على المرء وعی الأهداف الحقیقیة من وراء مشروع الزواج، مع التأکید على أن الغایات التی توفر للأسرة القدر الأمثل من الاستقرار یجب أن تنضوی فی اطار البحث عن حالة السلام النفسی لأن مرحلة البلوغ مرحلة حساسة تشهد تغیرات جوهریة تشکل بمجموعها نداء الزواج..

ومن هنا فان الاستجابة المبکرة لنداء الطبیعة الانسانیة یوفر على المرء المعاناة التی تنشأ عن الکبت الذی یؤدی فی الغالب الى بروز اضطرابات نفسیة حادة لن تهدأ إلاّ بالعثور على شریک الحیاة وعندها تنقشع الغیوم.

ومن هنا فان هدفیة الزواج قد تکمن احیاناً فی تحقیق حالة الاستقرار النفسی والاخلاقی فی ظلال حیاة مستقرّة توفرها أجواء الاسرة الدافئة.


وتلک تجارب الحیاة تثبت للجمیع کیف یأوى المرء إلى زوجة تشعره بالسکینة والطمأنینة والسلام..

وهذا سیدنا علی بن أبی طالب علیه‏السلام الذی خاض تجربة الحیاة وتحمّل المسؤولیات الجسام یقول: «ولقد کنت انظر الیها (فاطمة الزهراء) فتنقشع عنی الهموم»[2].

وهناک هاجس التکامل الذی یسعى الیه الانسان ذکراً کان أو انثى هذا الهاجس الذی یشتد ویبلغ ذروته فی مرحلة الشباب وعندها تأتی تجربة الزواج لتفتح آفاق التکامل أمام الشاب والفتاة حیث یستحیلان الى دلیلین أو مرآتین یتبادلان التجارب والآراء ویکتشفان عیوبهما فیسیعان الى التکامل والنمو الأخلاقی والفکری.

ومن أهداف الزواج الکبرى هو صیانة المرء نفسه من السقوط فی هاویة الانحراف والخروج على جادة الدین الحنیف، فیأتی الزواج لیجنب الانسان السقوط فی المنزلقات الخطرة وقد ورد فی الحدیث النبوی الشریف: «من تزوّج فقد احرز نصف دینه».

والزواج لا یکفل للمرء عدم السقوط فحسب بل یوفر له جوّاً من السلام یمکنه من التوجه الى السماء بطمأنینة وثقة..

لأن اشباع الغریزة والاستجابة لنداء الجنس بشکل مشروع یعدّ ضرورة فی الحیاة الدینیة.

ومن غائیات الزواج التی تسکن اعماق البشر هو المیل للاستمرار وبوضوح اکثر هاجس الخلود حیث یوفر الزواج هذا الشعور من خلال الانجاب فمیلاد الطفل وخاصّة الأول یفجرّ فی الذات الانسانیة ان هذا الکائن هو جزء لا یتجزء منهما وانه استمرار لحیاتهما..

هذا الاحساس الذی یدفع بعضهم الى القول: اولادنا أکبادنا تمشی على الأرض.


وتفجّر فی بعض الاحیان طوفاناً من المشاعر الفیاضة کقول الشاعر یخطاب ابنه:

ـ «یا ظلّی الممتد حین أموت

یا میلاد عمری من جدید[3]

ومن هنا نجد الدین الاسلامی الحنیف یؤسس لثقافة الزواج بشکل یجعل منه مشروعاً حیاتیاً ومصیریاً ینبغی دراسته وفق اسس اخلاقیة بحتة بعیداً عن کل الاعتبارات الأخرى..

یقول سیدنا محمد صلى‏الله‏علیه‏و‏آله‏وسلم: «اذا جاءکم من ترضون دینه وخلقه فزوجوه إلاّ تفعلوا تکن فتنة فی الأرض وفساد عریض».

فالمعیار الاخلاقی هو الاساس فی تجربة الزواج.. امّا الاعتبارات الاجتماعیة والاقتصادیة فلا اهمیّة لها، بل قد یکون لها دور سلبی فی بعض الاحیان.

غیر أننا ومع بالغ الأسف نشهد اغتصاب التقالید والاعراف الاجتماعیة لدور الدین فی التأسیس للحیاة الزوجیة، وفیما نرى ادبیات الاسلام تدفع بالمجتمع المسلم الى تبسیط عملیة الزواج وتحویلها الى ظاهرة انسانیة تنطوی على غائیة فی اطار الأهداف التی مرّ ذکرها، نرى التقالید والاعتبارات الفارغة تجعل منها مشکلة معقّدة فی طریق الشباب الذی قد یبقى یعانی من الحرمان العاطفی سنوات طویلة.

صحیح أن الوضع الاجتماعی والاقتصادی لشخص ما یفرز لدیه ثقافة متباینة مع غیره، ولکنه یجب إلاّ یبقى معیاراً فی الزواج حتى لا نهبط برباط الزواج المقدس من غایاته الانسانیة لیصبح صفقة اقتصادیة وتأسیساً لشرکة تجاریة.

ونحن لا نرید حذف هذه الاعتبارات أبداً لأنها ستدخل عاملاً هامّاً فی تحقیق حالة
الانسجام المنشود.. وما زلت اتذکر ذلک الطالب الجامعی الذی سأل الامام الشهید محمد باقر الصدر بهذه الطریقة:

ـ سیدنا.. شاب أراد الزواج ووجد فتاتین متساویتین فی الجمال، الدین، الاخلاق لکن أحدهما فقیرة والأخرى من اسرة غنیّة فایهما ینتخب؟ علماً بان الشاب أیضاً من اسرة غنیّة..

وقد ابتسم الشهید لهذه الفرضیة فی التساوی الکامل ولکن لم یمنع ذلک من التوصیة بالزواج من الفتاة الغنیة معلّلاً ذلک بأن الانسجام فی المستوى الاقتصادی یقود الى انسجام عائلی لأن الشاب الغنی قد اعتاد مثلاً على النوم فی السریر وتناول الطعام بالملعقة.. وهذا یهم فی الانسجام مع الفتاة الغنیة أکثر من الفقیرة التی قد اعتادت مثلاً على النوم دون سریر أو تناول الطعام بیدها.

فهناک فی عمق الاسلام اتجاه فی التشجیع على ظاهرة الزواج فی ظروف صحیة اذا صح التعبیر فللفتاة کما للفتى الحق الکامل فی الزواج فی الوقت المناسب، ومع الانسان المناسب فعقد الزواج یتمتع بکل مقومات العقد الاجتماعی اضافة الى عنصر القداسة، ونلمس ذلک من مقولة «ابغض الحلال عند اللّه‏ الطلاق» وهو نقیض الزواج.

ولکن المحنة تبدأ عندما تغتصب التقالید دور الدین، فتسلب الفتى أو الفتاة بحسب الظروف حقوقهم الانسانیة فی انتخاب شریک الحیاة.

وحسب مشاهداتی المحدودة فی ایران على سبیل المثال التی تؤکد غیاب الثقافة الاسلامیة الى حدّ ما وسیطرة التقالید خاصّة التی تنافی روح الاسلام فی تسییر ومرافقة ظاهرة الزواج..

فهناک الکثیر من الاعتبارات اللامنطقیة واللامعقولة والتی تنشأ فی الغالب عن الاعراف الاجتماعیة هی المسیطرة فی خلال مراسم الخطوبة والزواج.

وهذا لا یمنع بطبیعة الحال من وجود عینات تبشر بالخیر فی هذا المضمار عندما
تتصرّف بعض الأُسر وفق معاییر اسلامیة حیث الاصالة للدین والأخلاق ولقد تأثرت مؤخراً بموقف فتاة تقدم احدهم لخطبتها، وکنت اتصوّر أن تجری الأمور وفق المعتاد حیث تصغی الفتاة من وراء حجاب الى أحادیث الخطوبة وقد تتلصص لرؤیة الخطیب قبل الموافقة وهذا وضع مثالی تقریباً أما أن تقوم الفتاة « ظ، مختار علی» مثلاً بحضور المجلس وابداء رأیها ومشارکتها الحدیث وطلبها مهلة تتعرّف خلالها على أخلاق الخطیب فقد بعث فی نفسی الاعجاب لأن الفتاة لم تتطرق فی کل الاحوال للسؤال عن الاعتبارات الاقتصادیة والمعاشیة، وکان همّها أن یکون الشاب متدیناً ومهذّباً ولدیه عمل یرتزق منه.

وفی رأیی ان هذا السلوک یزید من فرص النجاح فی مشاریع الزواج، خاصّة عندما یکون دور الابوین استشاریاً.

کما ان تجارب الرسول الزوجیة کانت تأسیساً لثقافة جدیدة.. ثقافة تحدد موقفها من الزواج والحیاة الزوجیة، فالرسول الأکرم صلى‏الله‏علیه‏و‏آله‏وسلم ومن خلال سیرته الخالدة کان یرسم المثل الانسانی الأعلى فی زواجه موقفه ازاء خطبة.

فزواجه من خدیجة علیهاالسلام لم یکن وفق التقالید، کما أنه لم یستنکر موقف المرأة التی وهبت نفسها له.. ولم ینتهر المرأة التی طلبت منه أن یزوجها من یشاء، کما وأنه زوّج إبنته الکریمة شاباً فقیراً معدماً وهو علی لأنه یتحرک وفق ثقافة الاسلام التی تمنح الاصالة للاخلاق قبل کل شیء، وقد تم هذا بموافقة السیدة الزهراء التی کانت تترسم خطى الاسلام.

ظاهرة النزاع:

لا یهدد النزاع بین الزوجین کیان الاسرة کما لا یعرّضها الى الخطر إلاّ فی حالات یتفاقم فیها الشجار ویستمر ویتعمّق ویصیب العلاقات الزوجیة بالتمزق.


وعادة ما تبدأ الحیاة الزوجیة بصفاء ومودّة لأن الحیاة الجدیدة تبدو مقنعة للطرفین وملبیّة لحاجاتهما وفی خلال هذه الفترة یسعى کل طرف للاحتفاظ برفیق الدرب.

غیر أن عامل الزمن سوف یکون له دور فی بروز حالات الاختلاف خاصّة بعد فترة الارتواء الجنسی، وبدء المسؤولیات الجدیدة.

ویجب إلاّ یغیب عن البال أن الحیاة الزوجیة حیاة جدیدة فی کل شیء بل تعدّ انعطافاً کبیراً فی حیاة الانسان وتحولاً جوهریاً فی مسار الشاب والفتاة.

ومن هنا فان غیاب الخبرة وانعدام التجربة یترک آثاره على الحیاة الزوجیة فی مراحلها الأولى..

فتجربة الزواج فی طلیعة التجارب الانسانیة الأکثر حساسیة.

ولذا فإن الزواج الذی ینهض على تصوّرات خاطئة أو معکوسة هو زواج قلق یتهدده الخطر فی أیة لحظة.

کما أن محاولة الرجل أو المرأة اخفاء عیوبهما عن بعضهما وتغییب الحقیقة هو اجراء خاطى‏ء، لان الزواج الذی ینهض على الحقیقة هو الوحید الذی یکتب له النجاح والدوام.

فهناک فی طریق الزواج الغام قد تنفجر فی ایة لحظة وتحیل عش الزوجیة الى ساحة ومیدان للصراع والنزاع وتبادل الشتائم والاتهامات.

فهاک مثلاً الجهل المتبادل ای أن الشاب لم یکن یعرف عن الفتاة شیئاً وبالعکس فالتعارف ضروری فی رسم تصوّر واضح یلبی حاجة المرء فی معرفة رفیق الدرب..

وهناک أیضاً التصوّرات الخاطئة فقد یحمل الشاب تصوّراً عن الزواج یرفعه الى عالم الأحلام الوردیة والرؤى الملوّنة وأن بیت الزوجیة هو الفردوس المفقود الذی یبحث عنه.

ولیس هناک ما هو أخطر على الحیاة النفسیة للشباب من أن یعیشوا فی عالم ملّون
یزخر بالخیال والاحلام، لانهم سوف یصطدمون بالواقع الذی لن یخلو أبداً من ضعف ونقص وقصور..

ومن هنا فانه سیشعر بالاحباط والفشل والمرارة وسیلقی اللوم على رفیق الدرب محمّلاً إیاه مسؤولیة الفشل.. فافتراض الشاب فتاته ملاکاً وبالعکس هو تصوّر خاطى‏ء ولا ینهض على اسس واقعیة وحقیقیة.

وربّما ینفجر لغم آخر ناجم عن خدعة ما لفقها أحد الزوجین من أجل اقناع الآخر بالزواج، وعندما تظهر الحقیقة ویتبدد الزیف عندها یبرز النزاع بسبب ذلک.

وقد ینفجر لغم الجمال مثلاً والفتنة الظاهریة بعد أن یرتوی الزوجان من کؤوس المتعة وتنصرم أیام شهر العسل فاذا تلک الشعلة المتوقدة من الحب القائم على الشهوة تنطفى‏ء وتظهر الاشیاء على حقیقتها.. واذا لیس هناک ثمة تفاهم فکری أو انسجام اخلاقی، وهذا ما یؤدی الى ظهور تصدّع فی کیان الاسرة وتمزق فی نسیج العائلة.

وهناک ما یهدد مشروع الزواج عندما ینهض وفق رؤیة مادّیة مصلحیة، ولأن المصالح عادة لا تستمر فان المشروع المرهون بالمصلحة یکون أقل عمراً وادنى موفقیة، ولیس هناک من بناء اجتماعی محکم یمکن أن ینهض وفق مبرّرات مصلحیة عابرة.

ویبقى أن نشیر فی النهایة الى الزواج المفروض الذی یجد فیه أحد الطرفین نفسه مسلوب الارادة فی انتخاب شریک الحیاة؛ بحیث یستحیل أحد الطرفین فی نظر الآخر لیس الى شریک حیاة بل الى ضیف ثقیل جداً یتمنى فی کل لحظة الخلاص من وجوده.. وبهذا یتحوّل بیت الزوجیة الى کیان قلق یهتز لأقل شیء.

ان هذه الالغام اذا صح التعبیر تکمن فی طریق المرء وهو یسعى الى الزواج، ثم تأتی مرحلة أخرى اکثر حساسیة هی مرحلة ما بعدالزواج التی قد تبرز فی صورة من صور مصادرة الحقوق والواجبات المتبادلة والمشترکة، وتعرّض الحیاة الزوجیة الى خطر الرتابة الذی ینفث فی نفوس الازواج الملل والضجر والتململ من هذه الحیاة الخاملة التی لا جدید فیها.


وقد یجنح أحد الطرفین الى اخفاء الاسرار عن صاحبه، وبالتالی یظهر الشعور بالغربة والوحدة النفسیة المدّمرة والذی یقود فی مرحلة تالیة الى الاحساس بالحرمان العاطفی، والى شکل رهیب من الانانیة والنرجسیة یهدد حیاتهما الزوجیة بالدمار.

هذا اذا لم تنفجر قنبلة مدمّرة أخرى تنجم عن الشکوک وسوء الظن أو التنکر لوعود قدیمة.

الأمن العائلی.. المهمة الصعبة:

یرنو الشاب الى الزواج وتتطلّع الیه الفتاة وهما یتصوّران انه الواحة الخضراء فی طریق الحیاة والجنة الوارفة الظلال ولیس فی نیة أی منهما أن یحیل عش الزوجیة فی المستقبل الى جحیم لا یطاق.. فلماذا اذن تتحول بعض البیوت الدافئة الى میادین للشجار والصراع وتنشب فیها الحرائق فتلتهم السنة النار کل الاشیاء الخضراء ویحرق الدخان عیون الاطفال؟!

الاسرة ککیان اجتماعی یواجه جملة من التهدیدات والمخاطر والتحدّیات.

وفی کل مراحل الطریق المحفوفة بالاخطار ما یلزم الزوجین الحب والاستقامة والصبر وبعبارة أخرى ضبط النفس.

وفی ادبیات الاسلام الذی یعدّ أرقى تفسیر للحیاة الانسانیة وطریق للتکامل والنمو ما یعین المسلم فی اکتشاف الطریق المضیء نحو السعادة.

فالثقافة الاسلامیة الانسانیة تحدّد للمرء ذکراً وأنثى اسلوب الحیاة المشروعة فهناک توصیات فی المعاشرة تنظم وتحدد وتؤطر علاقاته مع الآخرین حیث تبرز مسألة المحارم فی طلیعة الضوابط الشرعیة فی تنظیم العلاقة بین الرجل والمرأة.

فأیة علاقة خارج أطر الشرعیة سوف تنعکس سلباً على جوّ الاسرة ویعرّض صفاءها الى الکدر.


وهناک أیضاً السلوک خارج المنزل وتعرّض الرجل وحتى المرأة الى الوقوع فی مصائد الشیطان، کتعاطی المخدرات أو ارتیاد نوادی القمار أو ممارسة الرذیلة.

وتحث أدبیات الشریعة وکأجراء ینعش ویجدد الحیاة داخل الاسرة الزوجیة على تحمّل احدهما الآخر فی الحدود المعقولة، وتعزیز العلاقات الجنسیة التی تعدّ فی واقع الأمر البارومتر الذی یقیس حالة الاجواء العائلیة ومستوى العلاقة الزوجیة.

هذا فی الوقت الذی یقف فیه الاسلام موقفاً حازماً ازاء أیة محاولة للتجمّل خارج البیت (خاصة المرأة) لما یترتب على ذلک من آثار مخرّبة.

فقد ورد فی الحدیث: «أیّما امرأة استعطرت فمرّت على قوم لیجدوا منها ریحها فهی زانیة»[4].

کما ان ترتیب حالة من التوازن فی معادلة الحقوق والواجبات المتبادلة سیعزز من استقرار الاسرة واستحکام العلاقات بین الزوجین.

یقول سیدنا محمد صلى‏الله‏علیه‏و‏آله‏وسلم: «اعظم الناس حقاً على المرأة زوجها» هذا فیما یخص حقوق الرجل وأما عن المرأة فیقول صلى‏الله‏علیه‏و‏آله‏وسلم ما زال جبریل یوصینی بالمرأة حتى ظننت أنه لا ینبغی طلاقها»[5].

ومن هنا فان التعالیم الاسلامیة تشکل فی المجموع بوصلة تشیر دائماً الى الاتجاه الصحیح حیث یبدأ عملها مع بدء الارهاصات الأولى لأی نشاط انسانی وبوضوح أکثر منذ تبلور نیّة العمل.

کما أنه یستطیع المرء استغفال زوجه فی شأن ما ولکنه لن یخفى على اللّه‏ شیء فی الأرض ولا فی السماء.


فالاجواء الاسریة کلما اقتربت من تعالیم الدین اقتربت من شاطى الأمن والسعادة والاستقرار.

ونلاحظ ان علاقة الدین بالزواج علاقة وطیدة ومتشابکة، فما أکثر الذین دفعت بهم غریزة، الجنس فسقطوا فی هاویة الانحراف، وتلوثت نفوسهم وفقدوا عقیدتهم، ولذا فإن الزواج یجنّب المرء السقوط فی المنزلقات الخطیرة، وقد ورد فی الحدیث الشریف: «من تزوج فقد احرز نصف دینه».

والزواج لا یکفل للمرء الأمن من السقوط فحسب بل یوفّر له جوّاً من الطمأنینة یکنه من التوجه الى اللّه‏ سبحانه، ذلک ان اشباع الغرائز بالشکل المعقول یفرز حالة من الاستقرار النفسی الذی یعدّ ضرورة من ضرورات الحیاة الروحیة والدینیة.

 

عود على بدء:

وانطلاقاً مما سبق تعدّ الحیاة الزوجیة ضرورة من ضرورات الانسان التی لا یمکن الاستغناء عنها حتى ان بعضهم یجعلها جزءً من القدر الانسانی کالمیلاد والموت على أنه لیس من المنطقی تجاوز نقطة حیاتیة وهی أن الحیاة المشترکة فی ظلال الزواج انما تنهض على اسس یتوقف على رعایتها مشروع الزواج ومصیره.

فهناک أولاً: حسن المعاشرة والتعامل وفق الاحترام الکامل والمتبادل الذی یعدّ الحدّ الأدنى من الحقوق والواجبات الزوجیة لأنه فی حالة الحبّ یجتاز الرجل والمرأة هذه الحدود الى مرحلة الفداء والایثار، غیر أن تبادل الاحادیث الودودة یعدّ فی کل الاحوال حیاتیاً فی اضفاء حالة من العمیمة والألقة فی أجواء البیت الزوجی.

وهناک ضرورة أخرى تتجسد فی الانسجام الفکری لأن توحّد الرؤى واختفاء التناقضات الفکریة سوف یسقی شجرة الحب الطاهر لأنه لا یوجد موقف متوحّد ما لم تتوفر رؤیة متوحّدة.


وهناک أیضاً توزیع المسؤولیات إذ لا یمکن لطرف واحد أن یتحمّل جیمع أعباء الحیاة الزوجیة فإدارة البیت وتربیة الأولاد لیست مهام یسیرة، ولذا ینبغی ارساء حالة من النظام الذی یمکن تحدید دعائمه من خلال توزیع وتقاسم المسؤولیات.

کما تدخل المداراة وضبط النفس ومحاولة تفهم الآخر بشکل فاعل فی استمرار الحیاة المشترکة لأن الزواج الذی یجمع بین المرأة والرجل لا یمکن أن یلغی الاختلاف فی المشارب والأذواق.

ومن هنا توصی ادبیات الاسلام طرفی الزواج انه فی حالة بروز نزاع عائلی أن یلتزم أحد الطرفین الصمت وأن یغض الطرف عن أخطاء الآخر وأن یتعامل معه بروح التسامح والمحبّة والغفران.

فالحیاة الزوجیة ترافقها المشکلات، ولا یمکن لها الاستمرار إلاّ بالصبر وضبط النفس، وتفویت الفرصة على شیاطین الغیظ، وهذا سیدنا خاتم الانبیاء یقول: «خیرکم خیرکم لأهله وأنا خیرکم لأهلی».

الطلاق .. هاجس الحلّ الکاذب:

لننظر الآن الى الزواج من زاویة أخرى، أعنی من زاویة الطلاق والانفصال وتدمیر عش الزوجیة..

ربّما یفشل مشروع الزواج فی نظر طرف واحد أوالطرفین معاً لاسباب ذکرت ضمناً وسنجد أن هذا الفشل لن تنحصر آثاره أو اشعاعاته ـ اذا صح التعبیر ـ بنفس المشروع فقط بل أنه سیؤدی الى اخفاق انسانی لأنه سیحیل الرجل والمرأة وقبیل الکارثة کارثة الطلاق الى مجرّد هیکلین باردین... لأن جذوة الحبّ المقدس قد انطفأت وسوف تستحیل جنة الزواج الى جیحم لا یطاق، ویصبح ذلک البیت الهادى‏ء وکراً یضم کائنین غریبین وستکون المصیبة اکبر لو اسفر الزواج عن أبناء عندئذ سیکون للأزمة ابعاد أکثر خطورة.


على أن هناک مرحلة تسبق عادة کارثة الطلاق وهی حالة التمزق العاطفی التی تبدأ فی تبلور مشاعر الغربة داخل المنزل.. حیث یشعر کل طرف أنه غریب عن الآخر ولا یمت له بصلة.

ویسود بعدها برود قاتل فی العلاقات الزوجیة ویتلاشى شعور الحبّ لیحلّ مکانه شعور بالعداء، حیث یجنح أحدهما أو کلاهما الى تحقیر صاحبه واقتناص الذرائع للهجوم علیه.

أما الجانب النفسی حیث یسعى کل طرف وانطلاقاً من تصوّر خاطى‏ء فی التنفیس عن مشاعر الحقد والکراهیة التی یضمرها الى الشجار الذی ینعکس سلباً على الحالة النفسیة ویجذّر العقد الکامنة ویزیدها تجذّراً مما یجعل منها أکثر خطراً فی المستقبل وقد تفرز مرضاً نفسیاً مزمناً فی النهایة.

وعلى صعید الحیاة العلمیة سنلاحظ تراجعاً مأساویاً فی الکفاءات وهذه المقولة «وراء کل عظیم امرأة»  منتزعة من تجارب الحیاة الانسانیة.

ولن تتوقف آثار السلوک الزوجی فی حدود الدنیا بل اننا کمسلمین نؤمن باللّه‏ والیوم الآخر ونعتبر الآخرة هی المستقبل الحقیقی لنا علینا أن ندرک ان لمسلکنا وتصرّفاتنا نتائج فی عالم القیامة والآخرة.

یقول رسول اللّه‏ صلى‏الله‏علیه‏و‏آله‏وسلم: «ألا وان اللّه‏ ورسوله بریئان ممن اضرّ بامرأته حتى تختلع منه».

ویقول صلى‏الله‏علیه‏و‏آله‏وسلم: «من کان له امرأة تؤذیه لم یقبل اللّه‏ صلاتها ولا حسنة من عملها».

ویقول صلوات اللّه‏ علیه: «إنی لأتعجّب ممن یضرب امرأته وهو بالضرب أولى».

ویقول الامام علی علیه‏السلام: «لا یکن أهلک أشقى الخلق بک».

 

قرار الطلاق.. التصوّر والحقیقیة:

لم یغلق الاسلام باب الطلاق کحلّ ولکنه اعتبره الحل الأخیر وآخر الحلول فآخر
الدواء الکلّی وأنّ أبغض الحلال عند اللّه‏ الطلاق..

على ان النزاع فی الحیاة الزوجیة اذا ما استمر یفرز هاجس الطلاق وتضفی المشاعر النفسیة المتأزمة على هذا الهاجس فتصوّره طریق الخلاص والحرّیة... الخلاص من الجحیم والحرّیة من العش الزوجی الذی استحال الى سجن مثقل بالقضبان القاسیة.

ولذا یبدو الطلاق للوهلة الأولى طریقاً للخلاص، ولکنه سرعان ما یعقبه شعور مدمّر بالمرارة «وقد أشار مسح میدانی أجری على مئة حالة طلاق اعتبر الغالبیة فیه الطلاق اکبر خطأ ارتکبوه فی حیاتهم واکد أکثرهم أیضاً على أن شعوراً بالارتیاح قد خامرهم فی الأیام الأولى من الطلاق ولکن سرعان ما تبدد ذلک لیحل محلّه شعور عمیق بالندم وأن الطلاق لم یحل المشلکة أبداً»[6].

ذلک أن الزواج لیس تجربة عادیة انه تجربة شاملة یعیشها الانسان بکل مشاعره، ومن هنا فان الطلاق سوف تکون له آثار مریرة وآلام.. آلام تشبه حالة التمزق العنیفة، مع التأکید على أن الطلاق غالباً لا یضع خاتمة للمشکلات بل أنه یصبح فی کثیر من الأحیان بدایة مشؤومة لمشکلات من نوع آخر.. مشکلات أکثر تعقیداً من قبل.

واذا کان الطرفان یخسران الکثیر فی الطلاق فان المرأة فی الغالب تکون الخاسر الأکبر لأنها رقیقة المشاعر مرهفة الاحساس والعاطفة.

وسیلتهم حریق الطلاق ما حوله وأول ضحایاه هم الابناء الذین اذا لم یضیعوا فان دخان الحریق سوف یسم أجواءهم ویحرق عیونهم ویدمی قلوبهم.

 

الدف‏ء والزمهریر:

الحیاة الزوجیة رحلة طویلة.. بل هی رحلة العمر والمصیر، ولأنها رحلة یشترک فیها
طرفان فان عوامل الجذب ینبغی أن تکون قوّیة تکفل استمرار الرحلة المشترکة، وهنا یدخل دور الابناء کثمرة للزواج وعوامل شدّ متبادلة تعزز من قوّة العلاقات الزوجیة.

الطفل ثمرة الحیاة الذی یلبی رغبة الانسان بالبقاء والاستمرار انه یحمل مع صرخته الأولى مشاعر البهجة والفرح ویشیع الدف‏ء فی المنزل..

الأب یشعر بالغبطة... انه یرى نفسه تتجدد فی هذا المخلوق المحبوب فیما ترى الأم أنها قد وجدت متنفساً لمخزون العاطفة الهائل المکنون فی صدرها، فتغمر ولیدها بذلک الفیض الالهی من الحنان.

فالابناء هم الامتداد الطبیعی للآباء وهم أحدى حلقات الشعور بالکمال..

والطفل لا سیما الأول هو ثمرة الحب والزواج، ومرکز التلاحم فالبیت الزوجی الذی یخلو من الاطفال هو بیت خاو من السعادة، لأن الاطفال هم مصدر الفرح الانسانی وبهم یصبح الرجل أباً رحیماً والمرأة أماً رؤوماً.

انهم منحة اللّه‏ سبحانه للبشر وأمانة یتحملها الآباء ومسؤولیة ینهضون بها.

ویعدّ المحیط العائلی الدافى‏ء أفضل وأعظم مدرسة لتربیة الجیل حیث یتلقى الاطفال أولى دروس الحیاة.

فالأسرة رغم کونها وحدة اجتماعیة صغیرة، إلاّ أنها فی نظر الاطفال دنیاهم الواسعة وعالمهم الکبیر حیث تسبح نفوسهم الصافیة فی فضاء زاخر بالامنیات والأحلام الملوّنة.

ومن هنا فان الاسرة هی القاعدة الکبرى فی الانطلاق نحو المستقبل..

فأی اضطراب یحدث فی محیط الأسرة تنعکس آثاره مباشرة على الأطفال، ذلک أن النزاع الزوجی اذا ما اتخذ ابعاداً خطیرة سوف یستحیل لدى الطفل الى عاصفة زمهریر تجتث من الجذور شعوره بالسلام.

وتدلّ المسوح المیدانیة الاجتماعیة على أن الاطفال الذین ینشأون فی محیط مضطرب وقلق یعانون آلاماً مدمّرة، حیث تتبدد تلک النظرات البریئة الحالمة
والابتسامات المشرقة لیحل محلّها نظرات قلقة مترعة بالحزن والخوف من المستقبل.

ومن هنا نتفهم ظاهرة البکاء لدى بعض الاطفال الذین یشهدون نزاعاً عائلیاً.. ان صرخاتهم هی صیحات استغاثة للنجاة من الخطر المحدق.

ومع کل ذلک تبقى هذه الحالة الشاذة (حالة النزاع الزوجی أمام الاطفال) أهوت بکثیر من کارثة الطلاق..

ومن الصعب جداً الغوص فی نفوس الاطفال لسبر عمق الهزّة العنیفة التی تصل الى مستوى الزلزال الذی لا یبقى ولا یذر... فهذه النفوس البریئة الشفافة وهذه الورود الربیعیة لا یمکنها أن تتحمل عنف العاصفة.. عاصفة الثلج والبرد والزمهریر.

«ولقد اثبتت الدراسات بأن أکثر من 80% من الاضطرابات العاطفیة والنفسیة لدى الاطفال انما تنشأ بسبب بعدهم أو فقدهم لامهاتهم سواء کان موتاً أو طلاقاً بل وحتى سفراً طویلاً»[7].

الدین والتقالید تنازع أدوار:

تنهض فلسفة الدین على اساس معرفة اللّه‏ والاتجاه الیه؛ انها بشکل عام عملیة ترشید لحرکة الانسان فی الأرض، ومن هنا جاءت التعالیم ونزلت رسالات السماء..

غیر اننا فی واقع الحیاة الیومیة نشاهد أن التقالید غالباً ما تقوم بدور محوری فی تنظیم الحیاة الانسانیة خاصّة فی العالم الاسلامی، حیث تحتفل التقالید مرکز القیادة فی العملیة الاجتماعیة.

وتبلغ المحنة ذروتها عندما یتناقض موقف الدین مع التقالید والعادات والاعراف الاجتماعیة.


وهذا یعنی أن الدین فی جوهره رسالة یکون قد غیّب تماماً واقصی عن ممارسة دوره فی صنع الحیاة الکریمة التی ینشدها الانسان.

والسؤال هنا لمن الشرعیة فی تحدید ثقافة اجتماعیة ما؟

الدین الذی یمثل الحدود المشروعة أم التقالید؟ وفی الحقیقة ان التقالید تبقى حدوداً مشروعة اذا لم تصطدم مع الدین فإذا اصطدمت اصبحت قیوداً قاسیة لأن الحدود الشرعیة الوحیدة انما تحددها الثقافة الدینیة النابعة من جوهر الدین کرسالة ونظام للحیاة.

ومن هنا ینبغی أن ننظر الى سیرة سیدنا محمد صلى‏الله‏علیه‏و‏آله‏وسلم فی ارسائه لدعائم الثقافة الاسلامیة الجدیدة وخروجه على التقالید الجاهلیة..

فحتى زواجه الأول صلوات اللّه‏ علیه لم یأت وفق التقالید الحاکمة، کما اننا نرى استقباله للمرأة التی وهبت نفسها له انه لم ینظر الیها نظرة امتهان کما لم ینتهز أو یعرض عن المرأة التی جاءت تصرّح بحاجتها الى الزواج قائلة: زوّجنی یا رسول اللّه‏..

وفی زواج ابنته سیّدة النساء نرى کیف یکون المعیار الوحید أخلاقیاً بحتاً بعیداً عن کل الاعتبارات الأخرى ...

ومن هنا یمکن القول أن الدین الاسلامی الحنیف قد فتح آفاقاً واسعة من أجل حیاة کریمة فی ظلال وارفة من شریعة السماء الخالدة، وما نراه من تصدّع فی الأسرة المسلمة انما ینجم عن تقالید تجذّرت بسبب الانفصال بمستوى وآخر عن الدین کثقافة مشروعة وطریق للحیاة.

ومن المفارقات فی الحیاة الاجتماعیة المسلمة أن نجد أن التقالید تحظى بالقداسة أکثر من الدین، عندما یکون «العیب» مثلاً اکثر ردعاً ونفوذاً من «الحرام».

ان الدین برسالته الحقیقیة البعیدة عن تأثیر التقالید والاعراف الجاهلیة بکل صورها له الدور المحوری فی تعزیز کیان الاسرة والحؤول دون تفتیت هذا الکیان الاجتماعی الهام.


انه یواکب مشروع الزواج منذ البدایات الأولى عندما تتشکل لدى المرء الرغبة فی الزواج وحتى النفس الأخیر، وما نراه من تنامی نسب الطلاق فی المجتمعات المسلمة انما ینشأ عن تغییب دور الدین فی صیاغة الثقافة الاجتماعیة[8].

ان الخطوة القادمة ومن أجل تأسیس حیاة اسریة دافئة یجب أن تکون فی اطار غضب مقدّس موجهاً ضدّ التقالید التی تغتصب دور الدین فی تعیین حدود الشرعیة وصیاغة المجتمع المنشود.


کمال السید


[1] صخرة العذاب الابدی على ما ورد فی الاساطیر الیونانیة حیث حکمت الآلهة على سیزیف بان یحمل صخرة من أسفل الوادی الى قمة الجبل وعندما یفعل ذلک تسقط الصخرة مرّة وتهوی الى قعر الوادی فیکرر المحاولة وهکذا.
[2] فاطمة حوریة الأرض.
[3] دیوان بدر شاکر السیّاب قصیدة مرحى غیلان / 324.
وفیها یقول:  اعلنت بعثی یا سماء..
هذا خلودی فی الحیاة تُکنّ معناه الدماء..
[4] سنن ابن ماجة: 8/153.
[5] بحار الانوار: 103/253.
[6] الأسرة وقضایا الزواج / د. علی قائمی ترجمة کمال السید / 142 ط دار النبلاء بیروت.
[7] المصدر السابق / 150.
[8] نموذجاً: أشار مسؤول فی وزارة العدل الایرانیة الى ان نسبة الطلاق فی محافظة قم قد ارتفعت 20% عما کانت علیه حیث یشکل ادمان الأزواج على المخدّرات السبب الرئیس فی ذلک» جریدة 19 دى الاسبوعیة العدد 49 الاحد 25 حزیران 2000م ـ 22 ربیع الأول 1421.
فاذا عرفنا ان دوائر الافتاء الدینی لم تتخذ حتى الآن موقفاً من مسألة التدخین وتعاطی التریاق أدرکنا نفوذ التقالید التی تفعل فعلها الآن فی تأسیس الأسرة وفق الاعتبارات الاقتصادیة البحتة وهو ما یشیر الیه الفلم الایرانی «دختران انتظار» «فتیات الانتظار» والذی ما یزال حتى الآن یثیر جدلاً.